سورة الزخرف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} أي فإنْ قبضناكَ قبلَ أنْ نُبصِّرك عذابَهم ونشفيَ بذلكَ صدركَ وصدورَ المؤمنينَ {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} لا محالةَ في الدُّنيا والآخرةِ. فَما مزيدةٌ للتأكيدِ بمنزلةِ لام القسمِ في أنَّها لا تفارقُ النونَ المؤكدةَ {أَوْ نُرِيَنَّكَ الذى وعدناهم} أيْ أو أردنا أنْ نُريكَ العذابَ الذي وعدناهُم {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} بحيثُ لا مناصَ لهُم من تحتِ ملَكتِنا وقهرِنا، ولقد أراهُ عليه السَّلامُ ذلكَ يومَ بدرٍ {فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} من الآياتِ والشرائعِ سواءٌ عجَّلنا لكَ الموعودَ أو أخرنَاهُ إلى يومِ الآخرةِ. وقرئ: {أَوْحَى} علي البناءِ للفاعلِ، وهو الله عزَّ وجلَّ. {إِنَّكَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} تعليلٌ للاستمساكِ أو للأمرِ بهِ {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ} لشرفٌ عظيمٌ {لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} يومَ القيامةِ عنْهُ وعنْ قيامِكم بحقوقِه. {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا} أي واسألْ أممَهم وعلماءَ دينِهم كقولِه تعالى: {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ} وفائدةُ هَذا المجازِ التنبيهُ على أنَّ المسؤولَ عنه عينُ ما نطقتْ به ألسنةُ الرسلِ لا ما يقولُه أممُهم وعلماؤُهم من تلقاءِ أنفسِهم. قالَ الفَرَّاءُ: هُم إنما يخبرونَهُ عن كتبِ الرسلِ فإذا سألَهم فكأنَّه سأَل الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءَالِهةً يُعْبَدونَ} أي هلَ حكمنَا بعبادةِ الأوثانِ وهل جاءتْ في ملةٍ من مللِهم، والمرادُ به الاستشهادُ بإجماعِ الأنبياءِ على التوحيدِ، والتنبيهُ على أنَّه ليسَ بِبدْعٍ ابتدعَهُ حتى يكذّبَ ويُعادَى.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا} ملتبساً بَها {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلاَيْهِ فَقَالَ إِنِى رَسُولُ رَبِّ العالمين} أريدَ باقتصاصِه تسليةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والاستشهادُ بدعوةِ مُوسى عليهِ السَّلامُ إلى التوحيدِ إثرَ ما أُشيرَ إلى إجماعِ جميعِ الرُّسلِ عليهم السَّلامُ عليهِ. {فَلَمَّا جَاءهُم بئاياتنا إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ} أي فاجَؤا وقتَ ضحكِهم منها أي استهزأوا بها أولَ ما رأَوها ولم يتأملُوا فيَها. {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ} من الآياتِ {إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} إلا وهيَ بالغةٌ أَقصَى مراتبِ الإعجازِ بحيثُ يحسبُ كلُّ منْ ينظرُ إليها أنها أكبرُ من كلِّ ما يقاسُ بها من الآياتِ، والمرادُ وصفُ الكلِّ بغايةِ الكِبَرِ من غيرِ ملاحظةِ قصورٍ في شيءٍ منَها أو إلاَّ وهي مختصَّةٌ بضربٍ من الإعجازِ مفضلةٌ بذلكَ الاعتبارِ على غيرِها {وأخذناهم بالعذاب} كالسنينَ والطوفانِ والجرادِ وغيرِها. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكيْ يرجعُوا عمَّا هُم عليهِ من الكفرِ. {وَقَالُواْ ياأيها الساحر} نادَوُه بذلكَ في مثلِ تلكَ الحالةِ لغايةِ عُتوِّهم ونهايةِ حماقتِهم، وقيلَ كانُوا يقولونَ للعالم الماهرِ ساحرٌ لاستعظامِهم علمَ السحرِ. وقرئ: {أيهُ الساحرُ} بضمِّ الهاءِ. {ادع لَنَا رَبَّكَ} ليكشفَ عنَّا العذابَ {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} بعهدِه عندكَ من النبوةِ أو استجابةِ دعوتِكَ أو من كشفِ العذابِ عمَّن اهتدَى أو بما عَهِدَ عندكَ فوفيتَ به منَ الإيمانِ والطاعةِ {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} أي لمؤمنونَ على تقديرِ كشفِ العذابِ عنَّا بدعوتِك كقولِهم: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب} بدعوتِه {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} فاجؤوا وقتَ نكثِ عهدِهم بالاهتداءِ وقد مرَّ تفصيلُه في الأعرافِ. {ونادى فِرْعَوْنُ} بنفسِه أو بمناديِه {فِى قَوْمِهِ} في مجمعِهم وفيما بينَهم بعد أنْ كشفَ العذابَ عنْهم مخافةَ أنْ يُؤمنوا {قَالَ ياقوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار} أنهارُ النيلِ ومعظمُها أربعةُ أنهرٍ: الملكُ ونهرُ طولونَ ونهرُ دمياطٍ ونهرُ تنيسَ {تَجْرِى مِن تَحْتِى} أي منْ تحتِ قَصرِي أو أمرِي وقيلَ: من تحتِ سريرِي لارتفاعِه، وقيلَ: بين يديَّ في جنانِي وبساتِيني. والواوُ إمَّا عاطفةٌ لهذهِ الأنهارِ على مُلكِ مصرَ فتجري حالٌ منها أو للحالِ فهذهِ مبتدأٌ والأنهارُ صفتُها وتجري خبرٌ للمبتدأِ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} ذلكَ يريدُ به استعظامَ مُلكِه.


{أَمْ أَنَا خَيْرٌ} معَ هذه المملكةِ والبسطةِ {مّنْ هذا الذى هُوَ مَهِينٌ} ضعيفٌ حقيرٌ من المهانةِ، وهي القلةُ. {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} أي الكلامَ قالَه افتراءً عليهِ عليه السَّلامُ تنقيصاً له عليهِ السَّلامُ في أعينِ النَّاسِ باعتبارِ ما كانَ في لسانِه عليهِ السَّلامُ من نوعِ رتةٍ وقد كانتْ ذهبتْ عنْهُ لقولِه تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} وأمْ إمَّا منقطعةٌ والهمزةُ للتقريرِ كأنَّه قالَ إثرَ ما عدَّدَ أسبابَ فضلِه ومبادِي خيريتِه أثبتَ عندكُم واستقرَّ لديكُم أنِّي أنَا خيرٌ وهذه حالِي منْ هَذا إلخ وإمَّا متصلةٌ فالمَعْنى أفلاَ تْبصرونَ أمْ تبصرونَ خلا أنه وضعَ قولُه: {أَنَا خَيْرٌ} موضعَ تبصرونَ لأنَّهم إذا قالُوا له أنتَ خيرٌ فهُو عندَهُ بُصَراءُ، وهذا من بابِ تنزيلِ السبب منزلة المسبب، ويجوز أن يجعل من تنزيل المسبَّب منزلة السبب فإن إبصارِهم لما ذُكرَ من أسبابِ فضله سببٌ على زعمِه لحُكمِهم بخيريتهِ. {فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ} أي فهلاَّ أُلقي إليهِ مقاليدُ الملكِ إنْ كانَ صادقاً، لما أنَّهم كانُوا إذَا سوَّدُوا رجلاً سوَّرُوه وطوَّقُوه بطوقٍ من ذهبٍ. وأَسُوِرةٌ جمعُ سوارِ. وقرئ: {أَساورُ} جمعُ أسورةٍ، وقرئ: {أساورةٌ} جمعُ أسوارٍ بمعنى السِّوارِ على تعويضِ التاءِ من ياءِ {أساويرَ}، وقد قرئ كذلكَ، وقرئ عليه: {أسورةً} و{أساورَ}، على البناءِ للفاعلِ وهُو الله تعالَى: {أَوْ جَاء مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ} مقرونينَ يعينونَهُ أو يصدقونَهُ من قرنتُه به فاقترنَ أو متقارنينَ من اقترنَ بمعنى تقارنَ. {فاستخف قَوْمَهُ} فاستفزَّهُم وطلبَ منهُم الخفةَ في مطاوعتِه، أو فاستخفَّ أحلامَهُم. {فَأَطَاعُوهُ} فيما أمرَهُم به {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} فلذلكَ سارعُوا إلى طاعةِ ذلكَ الفاسقِ الغويِّ.
{فَلَمَّا ءاسَفُونَا} أي أغضبونا أشدَّ الغضبِ، منقولٌ منْ أَسِفَ إذا اشتدَّ غضبُه. {انتقمنا مِنْهُمْ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} في اليمِّ. {فجعلناهم سَلَفاً} قدوةً لمن بعدَهُم من الكُفَّارِ يسلكونَ مسلكَهُم في استيجابِ مثلِ ما حلَّ بهم من العذابِ، وهُو إما مصدرٌ نُعتَ بهِ أو جمعُ سالفٍ كخَدَمٍ جمعُ خادمٍ. وقرئ بضمِّ السينِ واللامِ، على أنَّه جمعُ سليفٍ أي فريقٍ قد سلفَ كرُغُفٍ أو سَالِفٍ كصُبُرٍ أو سَلَفٍ كأسدٍ. وقرئ: {سُلَفاً} بإبدالِ ضمةِ اللامِ فتحةً أو على أنَّه جمعُ سُلْفةٍ أي ثُلَّةٍ قد سلفتْ. {وَمَثَلاً لّلأَخِرِينَ} أي عظةً لهم أو قصةً عجيبةً تسيرُ مسيرَ الأمثالِ لَهُم فيقالُ: مثلُكم مثلُ قومِ فرعونَ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7